بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
*** تمهيد ***
ساد التشديد الملل السابقة .. قال تعالى : " ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا ".
والاصر هو الحمل الثقيل , وهو تصوير لما كان في شرائع السابقين من التكاليف الشاقة .
قال تعالى : " ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم " .
فعند اليهود على سبيل المثال : عيد كل سبت , لا يعمل فيه اهون عمل , ومن يعمل يوم السبت فجزاءه القتل .
وابتدع النصارى الرهبانية , واخترعوا من رياضات الجسم انواعا عجيبة اشدها على الجسم , افضلها عندهم , واقربها الى الله في زعمهم : فمنهم من آل على نفسه الا يغتسل طول حياته , ومنهم من لا يلبس الا المسوح والثياب الخشنة, ومنهم من لزم كعفا لا يبرحه ابدا , ومنهم من لا يتزوج ابدا, الى غير ذلك من الصور...
ثم بعث الرسول صلى الله عليه وسلم بالحنفية السمحة , التي رفع فيها الحرج كما بينت الايات ,واحاديث كثيرة ,
قال تعالى: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر "
وقال تعالى:" لا يكلف الله نفسا الا وسعها "
وقال تعالى : " يريد الله ان يخفف عنكم"
وقال تعالى : " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج " .
وفي السنة المطهرة احاديث كثيرة , تصرح او تشير الى التيسير ورفع الحرج .
عن ابي هريرة رضي الله عنه , ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ان الدين يسر ولن يشاد الدين احد الا غلبه , فسددوا
وقاربوا , وابشروا , واستعينوا بالغدوة والروحة , وشيء من الدلجة )) رواه البخاري في صحيحه , ( 15/1) .
وعن انس رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ان دين الله عز وجل في يسر ثلاثا )) رواه الامام احمد في مسنده , ( 69/ 5) .
وعن اعرابي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ان خير دينكم ايسره , ان خير دينكم ايسره )) . رواه الامام احمد في مسنده بسند صحيح , ( 3/479) .
وقال ابن القيم رحمه الله : ان الشريعة مبناها واساسها على الحكم , ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها , ورحمة كلها, ومصالح كلها, وحكمة كلها , فكل مسألة خرجت عن العدل الى الجور وعن الرحمة ضدها , وعن الممصلحة الى المفسدة , ومن الحكمة الى العبث .
فليست من الشريعة وان دخلت فيها بالتأويل , فالشريعة عدل الله بين عباده , وحمة بين خلقه , وظله في ارضه , وحمته الدالة عليه , وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم اتم دلالة صدقها .
وقال الدكتور محمد الزحيلي : من دعائم الاعتدال في الاسلام التيسير في التكليف واليسر في الاحكام , والتخفيف في الاعمال, وذلك بنصوص شرعية صريحة , لا تحتاج الى تفسير او تأويل .
وقال الدكتور وهبه الزحيلي : من الاصول العمة المقطوع بها , والمبادئ الاساسية للشريعة الاسلامية مبدأ اليسر , والتسهيل , والتسامح , والاعتدال , ودفع الحرج والمشقة في الاحكام الشرعية , سواء اكان الحكم منصوصا عليه ام مستنبطا من الفقهاء المجتهدين .
** كانت هذه بداية تمهيدية للشروع في موضوع الرخص , الذي يعتبر من المسائل المهمة , والتي يجب ان يكون المريد متفها لها , وان يعلم ماهيتها , وكيف يكون التعامل مع هذه المسائل ..
وسنعرض في هذا البحث ان شاء الله انواع الرخص , وتعريفها , وضوابطها وقواعدها , واسبابها ’ ثم عرض بعض المسائل التي تباح فيها الرخص ..
** الكتاب " اسباب الرخص في الشريعة الاسلامية " هو من تأليف الشيخ عبد الرحيم خليل , المحاضر في كلية الدعوة والعلوم الاسلامية